التوسع الشيعي.. والعلاقة المحرمة بين الجزائر وإيران: هل الجزائر حقا في حاجة إليها ؟

كانت ضربة موجعة لصدام حسين حين تخلت عنه الجزائر وتحالفت مع إيران، وكانت ضربة موجعة أكثر حين غدرت إيران بآلجزائريين، لكن بعد ذلك كله عادت المياه لمجاريها بين البلدين، فالجزائر تحب إيران وإيران تحب الجزائر، وهنا قصة العلاقات المحرمة بين الطرفين.

التوسع-الشيعي
التوسع-الشيعي

من طهران إلى وهران

حين استقلت الجزائر عن فرنسا عام ألف وتسعمائة واثنين وستين. كانت إيران في ذلك الحين دولة تخضع لحكم الشاه محمد رضا بهلوي، الملك الذي كان يعرف باسم شرطي الخليج وحليف الغرب الأوثق في ذلك الوقت. لكن ذلك لم يمنع الشاه من إرسال وفد للعاصمة الجزائرية للمشاركة في احتفالات الاستقلال. 

سريعا بعد عامين من ذلك التاريخ، دشنت طهران سفارتها في عاصمة الجزائريين. لكن الجزائر كانت دولة وليدة وفتية أنذاك، وما زال الصراع على السلطة فيها محتدما بين رفقاء السلاح، لذا لم تسارع لافتتاح سفارة لها في المملكة الإيرانية، وانتظرت حتى العام ألف وتسعمائة وثلاثة وسبعين لكي تقدم على تلك الخطوة.

 وهذا التاريخ تحديدا كان مفصليا في حياة العرب، حيث كانت حرب أكتوبر قد جرت وقاتل فيها العرب مجتمعين إلى جانب سوريا ومصر، بعضهم بالسلاح والجنود، كما فعل الجزائريون وأخرون بسلاح النفط والوقود الذي حرم الغرب منه بقرار خليجي وسعودي تحديدا. ولكن سيجري حدث بين الأحداث سيرفع من أسهم إيران لدى العرب، حيث سيعلن السادات أن شاه إيران قدم مساعدة نفطية لمصر في حربها ضد إسرائيل.

هنا سينفتح الجزائريون بقوة على الإيرانيين، لكن مع أسباب أخرى قوية ستدفعهم لتلك الخطوة، على رأسها أن طهران إحدى قيادات منظمة أوبك الفاعلين أنذاك، والجزائر كانت قد بدت أنها دولة منتجة للطاقة عقب استقلالها. وسبب أخر وهو الأكثر أهمية للجزائر وهو ملف الصحراء المغربية، حيث في عام ألف وتسعمئة وثلاثة وسبعين ولدت جبهة البوليساريو المعارضة للمغرب والمدافعة عن انفصال الصحراء عن المملكة المغربية، وهذه قضية رغبت الجزائر بكسب مؤيدين لها حتى لو كانوا بعيدين كإيران.

 وسريعا قفزت العلاقات بين الجزائر تحت قيادة هواري بومدين وبين طهران التي كان يحكمها الشاه محمد رضا بهلوي، حتى أن المكانة التي حظيت بها الجزائر ورئيسها لدى سلطان الشاه مكنها عام ألف وتسعمئة وخمسة وسبعين من أن تصبح طرفا موثوقا لديها، وشاركت فيها في اتفاقية الجزائر التي أخمدت نار التوتر في الخليج، وتحديدا بين العراق تحت حكم البعثيين آنذاك وبين إيران الشاه.

وفعلا وقع الاتفاق الذي حضره صدام حسين كنائب للرئيس آنذاك وشاه إيران نفسه، يتوسطهما الرئيس الجزائري في صورة مشهورة جمعتهما الثلاثة. فقد كان بومدين صديقا للقوميين العرب وتحديدا النظام العراقي البعثي بحكم أن الرجل كان يتشارك معهم بعض الأفكار الثورية والمعادية للغرب، وعلى هذا استمر الحال حتى تغير كل شيء.

هل غدر الجزائريون بصدام حسين؟


نحن الآن في عام ألف وتسعمائة وتسعة وسبعين. كل شيء تغير. إيران بثوب جديد. بعد نجاح الخميني بالاستيلاء على السلطة في طهران وإعلانه قيام الجمهورية الإسلامية بثوبها الشيعي. وصدام حسين استتب له الأمور في بغداد رئيسا للعراقيين

وهواري بومدين رحل ووصل للحكم بدلا منه رئيس جديد بأفكار مختلفة هو الشاذلي بن جديد. وتوترات بدأت تتصاعد في الخليج. ونبرة عداء بين الخميني وصدام واتفاقية الجزائر على المحك.
 
وحانت اللحظة مع من ستقف الجزائر. والحقيقة التاريخية تقول إن الجزائر سعت بداية الحرب للحيلولة دون وقوعها، لكن مع تعنت الطرفين أجبرت الجزائر على الاختيار على الرغم من تبدل النظامين في كلا البلدين. الشاه رحل وكذلك بومدين، لكن الشاذلي بن جديد أراد الإيرانيين، وذلك لكون العراق كان منحازا للاتحاد بين العرب، وكان يرى الصحراء المغربية جزءا من مملكة المغرب.

 في حين إيران الجديدة لم تكن قد اتخذت موقفا بعد وأرادت الجزائر استمالتها، حتى أن الجزائريين قادوا ما عرف العام ألف وتسعمائة وواحد وثمانين مفاوضات بين طهران وواشنطن لحل أزمة الرهائن الأمريكيين، وليس ذلك فقط بل من هذا التاريخ رعت السفارة الجزائرية في الولايات المتحدة المصالح الإيرانية هناك، وأكثر من ذلك عادت الجزائر ووقعت مع طهران اتفاقية عام ألف وتسعمئة وخمسة وثمانين، أي في منتصف الحرب العراقية الإيرانية.

بموجب هذه الاتفاقية دعمت إيران جبهة البوليساريو الانفصالية، وبالمقابل دعمتها الجزائر في حربها ضد العراقيين، فيما عدا
شهر عسل طويل بين كلا البلدين أي الجزائر وإيران.

 لكن مهلا كل شيء سيتغير بعد ذلك.

يوم غدرالإيرانيون بالجزائر

مطلع التسعينيات سيكون بداية شتاء ساخن على الجزائريين، وسيبدأ الظلام يخيم عليهم وعلى بلادهم مع بوادر الحرب الأهلية التي عرفت تاريخيا باسم العشرية السوداء.

 وسيخوض الجيش الجزائري حربا دموية ضد جماعات إسلامية متشددة طوال حقبة التسعينيات تقريبا، لكن و في مطلع الحرب خرجت القيادة الجزائرية التي حلت مكان الشاذلي بن جديد لاتهام إيران ودول أخرى بالتدخل بشؤون الجزائر، بل إن إيران كانت قد دخلت فعلا على الخط ودعمت جماعات حاربت الجيش الجزائري، ما دفع الجزائر لقطع العلاقات كليا مع إيران، وبدا أن شهر العسل بينهما انتهى وإلى الأبد.

وظلت العلاقات مقطوعة بين الطرفين حتى وصل للحكم في الجزائر رئيس جديد ونظام جديد كان بوصوله بادرة أمل للإيرانيين للعودة إلى المشهد في المغرب العربي الكبير، حيث كانوا يحلمون بموطئ قدم هناك والحديث عن عبد العزيز بوتفليقة، لكن الرجل بداية عهده كان كهواري بومدين حريصا على عدم إغضاب نظام صدام حسين، فظلت العلاقات بين الجزائر وإيران فاترة حتى العام الفين وثلاثة.

عودة الود

سقط النظام العراقي أو نظام صدام حسين عام ألفين وثلاثة بعد الغزو الأمريكي للبلاد. وحتى ذلك الحين كان بوتفليقة لا يحب الغرب كثيرا خاصة الأمريكيين لكونهم كانوا حلفاء جارته اللدود أي المغرب، فوجد بوتفليقة فرصة لتعزيز تحالفه مع إيران، فزار طهران عام ألفين وثلاثة وردها الرئيس الإيراني أنذاك محمد خاتمي عام ألفين وأربعة.

ثم فتحت الطريق أمام الإيرانيين لدخول الجزائر من جديد، ليس فقط في السياسة وإنما في اتجاهات أخرى على رأسها الثقافة والاقتصاد والأمور العسكرية. وعلى طاولة البلدين ملفات قالوا إنهم متفقون عليها، على رأسها دعم القضية الفلسطينية، ثم الملف النووي الإيراني، وحق إيران بامتلاك مصادر نظيفة للطاقة كما قال الجزائريون آنذاك، والأهم قضية الصحراء المغربية. هاجس الجزائريين الأول.

وعلى هذا تغلغل الإيرانيون داخل الجزائر حتى وصل تغلغلها ذروته في سنوات ما يعرف بالربيع العربي أواخر سنوات حكم الرئيس بوتفليقة، بل أن الكلام كان يدور أنذاك في إيران على أن الجزائر مهد الدولة الفاطمية ولا بد من أن نعيد احيائها. وهنا انتبه الجزائريون.

عودة الخلاف

سنة  2018 ,الملحق الثقافي الإيراني أمير موسوي يشن هجوما حادا على حرم الرئيس الراحل بومدين بسبب مشاركتها في مؤتمر للمعارضة الإيرانية في باريس والرجل كان يتحدث بثقة وكأنه يلقي خطابا من طهران وليس من الجزائر حينها انتبه الجزائريون إلى ضخامة الدور الإيراني وتغلغله في بلادهم فثارت ثائرتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.

 ما أجبر نظام بوتفليقة على طرد موسوي من الجزائر بل واتهمت سفارة طهران في البلاد بنشر التشيع في الجزائر وعادت العلاقة الى الفتور بين البلدين وهذه عينة من عناوين المواقع والصحف عام 2018.

الجزائر غاضبة
الجزائر غاضبة


 لكن بعد ذلك جرت تحولات كبرى في الجزائر حيث ثار الجزائريون على نظام بوتفليقة وأجبرعلى الرحيل وترك منصبه عام 2019 وعادت الجزائر إلى ترتيب بيتها الداخلي من جديد.

عودة على مهل

مع عودة الجزائر تحت قيادة نظام العسكر وبواجهة جديدة تتمثل في الرئيس الحالي عبد المجيد تبون عادت الروح إلى العلاقة بين 
إيران والجزائر .

فهاته الأخيرة أرادت العودة إلى مربعها الأول القاضي بالوقوف مع إيران والأنظمة الحليفة لها في البلدان العربية خاصة سوريا و العراق فكانت الجزائر أول المنفتحين على نظام الأسد بل لم يقطعوا علاقتهم معه أصلا وأصدقاء لما يعرف بمحور المقاومة العربي القائم على حركات إيران المسلحة في البلاد العربية.

 وتوجت هذه العودة بلقاء وزراء الخارجية عام 2013 وافتتحت سفارات جديدة في كلا البلدين وألغيت التأشيرات بينهما وبدا أن الجزائر الجديدة اختارت إيران كحليف لها حتى الأن لكن التاريخ بين البلدين يقول ان العلاقات بينهما ميزتها انها متغيرة وتتصاعد ثم تعود لتنخفض وصحيح ما يجمعهما الأن كثير لكن ما يفرقهما ربما يكون أكثر.
 لإيران مصالح قد لا يفضلها الجزائريون إلا إذا اختاروا مقايضتها وهذا كله متروك للمستقبل.

و هنا ندرك أن الجزائر تعلم ان الخير في التحالف مع المغرب لكن هناك قوة خفية لا تريد ذلك لمنطقتنا في المغرب الكبير و لكم الاستنتاج..

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال