الخلفية القانونية لنزع ملكية العقارات الجزائرية في الرباط: تحليل وتوضيح

ردة فعل مبالغ فيها من الجزائر إثر قرار نزع ملكية بعض عقاراتها بالرباط:


باستمرارها في ممارسة الجعجعة المعتادة، أجابت الجزائر على قرار السلطات المغربية بنزع ملكية ثلاثة عقارات جزائرية في الرباط لتوسيع مقر وزارة الخارجية المغربية. حيث أدانت الدبلوماسية الجزائرية هذا القرار ووصفته بأنه "مصادرة" و"مخالف للقانون الدولي" و"تصعيد يستدعي الرد".

في حالة أن وزارة الشؤون الخارجية الجزائرية تمتلك الخبرة الكافية في العلاقات الدبلوماسية، فإن رد فعلها يُعتبر خطيرًا على الأقل. وإذا كانت لا تمتلك تلك الخبرة، وتستغل أي فرصة فقط لإظهار وجودها، فإن ذلك يعد أمرًا كارثيًا. عندما نلقي نظرة على البيان  القوي الذي أصدرته وزارة أحمد عطاف، والذي يتعلق بإجراءات نزع الملكية التي اتخذتها السلطات المغربية، خصوصًا بشأن ثلاثة عقارات جزائرية في الرباط، يبدو أن الفرضية الثانية هي الأكثر دقة.

ردة فعل مبالغ فيها من الجزائر إثر قرار نزع ملكية بعض عقاراتها بالرباط:


بدأ كل شيء في 13 مارس، عندما تم نشر مشروع مرسوم يتعلق بنزع ملكية عقارات للجمهورية الجزائرية، بغية توسيع مقر وزارة الشؤون الخارجية. ينص المشروع بوضوح على أنه، نظرًا لأسباب تتعلق بتطوير مقر الوزارة، تقرر اتخاذ إجراءات نزع ملكية الأراضي اللازمة لبناء المباني الجديدة. يبرر هذا الإجراء بـ"المنفعة العامة" وفقًا للقانون رقم 7-81 المؤرخ في 16 أبريل 1982.


يتضمن القرار عقارات مملوكة لمواطنين مغاربة، ولكنه يتعلق أيضًا بثلاثة عقارات تابعة للدولة الجزائرية. وتشمل هذه العقارات قطعة أرض تُعرف باسم "كباليا" بمساحة 619 متر مربع، وعقارًا آخر يعرف بـ"زانزي" بمساحة 630 متر مربع، بالإضافة إلى فيلا تُعرف بـ"فيلا دو سوليه ليفانت" بمساحة 491 متر مربع.



وتكليف تنفيذ مقتضيات هذا المرسوم تم توجيهه إلى وزارة الاقتصاد والمالية ومدير أملاك الدولة. ينص المشروع المشار إليه على فتح ملف لمدة شهرين، اعتبارًا من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية، لدى السلطات المختصة، مع إنشاء سجل لاستقبال الاعتراضات والملاحظات والتصريحات من الأشخاص الطبيعيين أو المعنويين ذوي الصلة. يتم توفير هذا السجل للاطلاع العام في مقر جماعة الرباط خلال ساعات العمل الرسمية.


الإجراء المقترح يتمتع بشرعية واضحة ومبررة كونه إجراء إداري محكم، ويتبع الطرق العادية المتعارف عليها. لكن هذا ليس الحال في النظام الجزائري، الذي يتميز بتفاعله الفوري والحاد في مواجهة أي مسألة تثير قلقه. في بيان صحفي بلغة عسكرية، أشارت وزارة الخارجية الجزائرية إلى "مشروع مصادرة السفارة الجزائرية في المغرب"، مما يعتبر تصريحًا غير دقيق على الإطلاق، وستتم معالجة هذه القضية لاحقًا.


يعتبر أحمد عطاف أن الإجراء المتخذ من قبل السلطات المغربية يمثل "مرحلة جديدة من التصعيد في تصرفاتها المستفزة تجاه الجزائر". وعبّرت وزارة الخارجية الجزائرية بكل حدة عن احتجاجها على هذا "العمل السلبي الكامل" وعدم شرعيته، واعتبرته مخالفًا للتزامات الدولية، وهددت بالرد بكل الوسائل المناسبة.


ومن الملاحظ أن الجزائر تعتزم اللجوء إلى الإجراءات القانونية المتاحة، خاصةً عبر الأمم المتحدة، لضمان احترام مصالحها. يعتبر التوجه إلى الأمم المتحدة خطوة مدروسة جيدًا، حيث تعتبر الجزائر أن هذا القرار ينتهك حرمة البعثات الدبلوماسية للدول السيادية، ويتنافى مع الاتفاقيات الدولية، ويعد خرقًا لاتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية. وبالنسبة للجزائر، فإن هذا القرار يتجاوز الحدود ويشكل تجاوزًا جسيمًا على التزامات المنبثقة عن القانون الدولي.

بيان وزارة الخارجية الجزائرية - بين أكاذيب وحقائق القانون الدولي


تتغنى الإدانات بالكذب وتتبجح بالحقائق. يُعتبر الاتهام بالخطورة والتعدد، والإشارات إلى القانون الدولي تُصيب أي متتبع بالدوار، وتهديدات الرد تثير القشعريرة. لكن من جديد، يظهر أن محتوى البيان الصحفي الصادر عن وزارة الخارجية الجزائرية هو مجرد مزيج من الأكاذيب والافتراءات، وهذا يُعتبر دليلاً آخر لأولئك الذين يحتاجون إلى دليل على ردود الفعل الهستيرية التي تتبناها كسياسة للدولة.


لنبدأ بكذبة فظيعة. تتحدث وزارة الخارجية الجزائرية عن مشروع "سلب مقر السفارة الجزائرية بالمغرب" لكن في الواقع هذه العقارات التي قررت السلطات المغربية نزغ ملكيتها في الرباط ليست من اختصاص السفارة الجزائرية. حيث لا يقع مقر السفارة الجزائرية في حسان, بجوار مقر وزارة الخارجية. بل يقع في طريق زعير، وتحديداً في شارع محمد السادس، غير بعيد عن ميجا مول الشهير.


يوضح مصدر مطلع أن "العقارات الثلاثة التي باشر المغرب إجراءات نزع ملكيتها من الدولة الجزائرية (وليس من السفارة الجزائرية) تبلغ مساحتها الإجمالية 1740 متر مربع. وفي أي إجراء لنزع الملكية، هناك طرق قانونية وقضائية للطعن والاحتجاج أمام المحاكم للحصول على التعويض".


يقدم المحامي والخبير في القانون الدولي، مراد العجوطي، توضيحات حول هذا الموضوع.


ويشير  إلى أن “الحق في نزع الملكية معترف به في نظام القانوني الدولي، بغض النظر عن حقوق الملكية المعنية أو جنسية مالكها”. ويضيف: “يؤكد ميثاق حقوق الدول وواجباتها الاقتصادية، الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 12 ديسمبر 1974، على الحق السيادي للدولة في مسائل نزع الملكية وينص على أن لكل دولة الحق في تأميم أملاك الأجانب أو نزع ملكيتها أو نقل ملكيتها مع مراعاة القوانين المناسبة.



بالنسبة لمراد الجعوطي، يعتبر أنه وفقاً لهذا المبدأ، يتعذر الحديث عن "مصادرة"، لأن المصادرة بموجب القانون الدولي تتم بدون دفع أي تعويض. ومن الواضح أن هذا لا ينطبق في هذه الحالة.


بالإضافة إلى ذلك، قطع العلاقات الدبلوماسية من قبل الجزائر مع المغرب في أغسطس 2021 يجعل من الصعب الحديث عن وجود "سفارة" بين البلدين. وبدون دليل على العكس، لا معنى للحديث عن "سفارة".


تندرج تصريحات الوزارة الجزائرية ضمن ما يُعرف بـ "اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية"، والتي تتعلق بالسفارة والمؤسسات القنصلية، ولكن الممتلكات التي تخضع لنزع الملكية لا تتبع بالضرورة للسفارة أو القنصلية الجزائرية.


حتى إذا كان الأمر كذلك، فإن الادعاءات الجزائرية ليس لها أساس، حيث يُوضح عبد الفتاح نعوم، أستاذ العلاقات الدولية، أنه ليس كل الممتلكات الدبلوماسية والقنصلية مشمولة بمقتضيات اتفاقية فيينا، ويقع بعضها ضمن اختصاص الدول الأعضاء.


يمكن القول إن رد الفعل الجزائري كان عدوانياً للغاية، خاصة عندما يشير وزير خارجيتها إلى "استفزاز" و"مرحلة تصعيدية مغربية جديدة". وتزامناً مع فتح الجزائر مؤخراً دفتر شيكاتها ومكتباً في المناطق الاستعمارية بالعاصمة، مما يثير التساؤلات حول الشرعية.


بخلاصة، يظهر المغرب كدولة ذات سيادة تنظم مساطر نزع الملكية في جميع أنحاء التراب الوطني، وطلب الإذن من الجزائر في هذا الشأن لم يعد ضروريًا.







إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال