منطقة الساحل الإفريقي، على فرنسا أن تنسحب، وعلى الجزائر التتحلى بالحكمة، وعلى المغرب أن يتقدم إلى الأمام

 

في منطقة الساحل فرنسا تغادر والجزائر تتراجع والمغرب يتقدم،


 تهديد جزائري للنيجرلإحباط المغرب، المجلس العسكري في الجزائريهدد  جيرانه  لتحقيق أهدافه السياسية


يواجه النيجر تحدياً جديداً مع تصاعد التوتر الإقليمي، حيث واجه تهديداً مباشراً من الجزائر، وذلك من خلال وسائل إعلامية موالية تنبّهه بأنه قد يتعرض لفوضى وعنف إذا استمر في تقاربه مع المغرب.

 و قد اختار النظام العسكري صحيفة "الخبر" اليومية، وهي وسيلة إعلامية سيئة السمعة، لتهديد النيجر بالوقوع في الفوضى والعنف إذا واصلت تقاربها مع المغرب.

   ونقرأ في المقال المنشور بعد أيام قليلة من بدء زيارة من 12 فبراير 2024 إلى الرباط، وفدا كبيرا من النيجر، بقيادة الوزير الأول علي مهمان لمين زين، استقبل بتعليمات من الملك محمد السادس. مع نظيره المغربي عزيز أخنوش.

   تهديد يفيد بأن النيجر مقبلة على مغامرة محفوفة بالمخاطر يمكن أن تغرقها، وكذلك الشعب النيجيري، في دوامة من العنف وعدم الاستقرار، إذا قام قادتها، في أعقاب الانقلاب الخطير الذي قاده العقيد عاصمي غويتا في مالي، اختيار التقارب مع المغرب .

 التحالفات السياسية وتحركات الدول:


من جهة أخرى، تشهد الساحة الإقليمية تحركات سياسية ملحوظة، حيث أعلنت الجزائر عن إنشاء مناطق حرة مع دول الساحل، وهو الإعلان الذي تلقى ترحيباً في تلك الدول. ومع ذلك، فإن التصريحات المتناقضة والخطابات المزدوجة تثير الارتباك بين المراقبين حول استقرار المنطقة.

التصريحات الإعلامية للنظام الجزائري معادية بقدر ما هي متناقضة، خاصة وأن الرئيس عبد المجيد تبون أعلن، في 13 فبراير الماضي، عبر تقنية الفيديو، عن إنشاء مناطق حرة مع "الدول الشقيقة": موريتانيا أولا، ثم دول الساحل، بتعبير أدق مالي. النيجر وبالطبع تونس وليبيا.

   ووراء هذا الارتباك وهذا الخطاب المزدوج، يرى العديد من المراقبين تراجعا واضحا في نفوذ الجزائر في إطار التكوين الإقليمي الجديد، حتى أن القوة الاستعمارية السابقة، فرنسا، تم تهميشها من قبل الأنظمة الانقلابية السيادية الجديدة.

كما جاء في مقال بقلم فرانسوا سودان  ، مدير تحرير مجلة جون أفريك بعنوان:

" في منطقة الساحل، يجب على فرنسا أن تغادر، وعلى الجزائر أن تتحلى بالحكمة وتتخلى عن تبعيتها الفرنسية، والمغرب يواصل المضي قدما."

مقال مثير للاهتمام حول الجغرافيا السياسية الحالية في منطقة الساحل.فحسب تقديره انه في ظل عملية إعادة التوزيع الكبيرة للأوراق الجيوسياسية الجارية في منطقة الساحل، على خلفية المواجهة بين دول تحالف دول الساحل الثلاث ودول المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، فإن فرنسا بقيادة إيمانويل ماكرون ليست الوحيدة التي تدفع ثمن أخطائها في التقييم. 

وإن جزائر عبد المجيد تبون، التي استضافت العديد من المعارضين سيئي السمعة للمجلس العسكري بقيادة عاصمي غويتا في مالي، تجد نفسها أكثر خضوعا لأن اتفاق الجزائر للسلام الموقع في عام 2015 أصبح الآن عفا عليه الزمن. أما المغرب، من ناحية أخرى، فيتخذ موقفاً انتهازياً، وقد سارع إلى التدخل لسد الثغرة.

 الجغرافيا السياسية والتوازنات الجديدة:

فمن ناحية، فاجأت الرباط منافسيها، حيث أعلن الملك محمد السادس في 6 نوفمبر 2023 عن مشروع يهدف إلى السماح لبلدان الساحل غير الساحلية، في هذه الحالة النيجر ومالي، ولكن أيضًا تشاد وبوركينا فاسو، بالوصول إلى المحيط الأطلسي.  وهو الاقتراح الذي استجابت له الدول المعنية بشكل إيجابي خلال اجتماع وزراء خارجيتها يوم 23 ديسمبر 2023 بمراكش.


في ظل التوتر المتزايد، يبحث الكثيرون عن توازنات جديدة في الجغرافيا السياسية للمنطقة، حيث تراجع نفوذ الجزائر واستفحال التدخل المغربي. هذه التحولات تشير إلى تغييرات في التحالفات الإقليمية وتحديات جديدة للأمن والاستقرار.

   لكن الخسائر الناجمة عن انحدار منطقة الساحل لن تكون سياسية فحسب. وربما تضطر الجزائر إلى التخلي عن خطط إنشاء الطرق السريعة عبر الصحراء الكبرى وخطوط أنابيب الغاز التي من المفترض أن تربطها بنيجيريا عبر النيجر، فضلا عن منطقة التجارة الحرة المقترحة مع دول الساحل، لصالح مقترحات مغربية أكثر واقعية ومربحة. منطقة بأكملها.


الآثار الاقتصادية والسياسية:

تترافق التوترات الإقليمية بآثار اقتصادية وسياسية ملموسة، حيث يجد الجزائر نفسها في مواجهة جيوسياسية معادية، بينما يستغل المغرب الفجوات لتعزيز تأثيره وتوجيه سياسته باتجاه تحقيق مصالحه الوطنية.

الانعكاسات المستقبلية ومخاطر العنف:

تتزايد المخاوف من تصاعد العنف في المنطقة، وتعقيد الأوضاع السياسية والاقتصادية. فعلى الرغم من جهود الوساطة والدبلوماسية، يبقى التهديد الجزائري واحداً من أبرز المخاطر التي تواجه النيجر ومستقبل الاستقرار الإقليمي.

من ناحية أخرى، تسببت الجزائر في تنفير جيرانها، على سبيل المثال من خلال الترحيب بقادة الطوارق في ديسمبر 2023، مما تسبب في حادثة دبلوماسية خطيرة مع مالي. كما أضفى الطابع الرسمي على انسحابه من اتفاقيات الجزائر الموقعة عام 2015 مع متمردي الطوارق في شمال البلاد.


الاستراتيجيات الدولية والتدخلات الخارجية:

لا يمكن فصل الأزمة الإقليمية عن الديناميات الدولية، حيث تعزز الدول الكبرى مواقفها وتدعم التحالفات الإقليمية لتحقيق مصالحها الاستراتيجية. وبينما تتبادل الدول التدابير الاحترازية، يتعين عليها أن تتعاون لتجنب تفاقم الأزمة وتحقيق الاستقرار المنشود.


  لقد تغير المزاج جذرياً في الجزائر العاصمة، حيث يوجد الآن إنذار ظاهري بشأن التحول الذي اتخذته السياسة الجديدة للمجلس العسكري الحاكم في باماكو.

بل إن المفردات و الصيغ التي تستخدمها الصحافة الجزائرية تتجه نحو الكارثة.على سبيل المثال:

"مالي تتجه مباشرة نحو الحرب الأهلية" 
"شبح الفوضى يخيم على مالي"

تعبر عن قلق رسمي شديد في مواجهة اندفاع باماكو العسكري ، ولا سيما قرارها إنهاء الاتفاق المبرم في عام 2015 بين الحكومة والجماعات المسلحة (الطوارق) في الشمال تحت رعاية الجزائر العاصمة.

حيث وجه العسكر في الجزائر الضربة القاصمة لهذا الاتفاق، وكانت هذه التسوية مصدر فخر للجزائر ورمز لقدرتها على فرض الوساطة على المستوى الإقليمي.

وقد وجدت دبلوماسيتها ، والتي كانت محسوسة في مختلف أنحاء المنطقة، دعماً قوياً هناك. ومع ذلك، فإن "اتفاق الجزائر" هذا، كما تم تسميته، تم دفنه من قبل باماكو، التي استمرت في السابق في التنديد به باعتباره مؤيدًا  للجماعات المتمردة وكانت استعادة بلدة كيدال، المعقل التاريخي لتمرد الطوارق، في أكتوبرالماضي، بمساعدة القوات شبه العسكرية الروسية التابعة لفاغنر، بمثابة الإنجاز الأول في عملية "استعادة السلام الإقليمي"، التي تظل نتائجه غير مؤكدة.

الحاجة إلى حلول دبلوماسية شاملة:

في ضوء التحديات الجديدة، يصبح الحوار والتفاوض ضرورة ملحة للدول الإقليمية، حيث يتطلب الوضع الراهن تضافر الجهود وبذل المزيد من التنسيق لتجاوز التوترات وتحقيق الاستقرار والسلام في المنطقة.

في نهاية المطاف، يتوجب على الدول الإقليمية والدول الكبرى التحلي بالحكمة والتصدي للتحديات بشكل مشترك، من أجل بناء مستقبل مستدام ومزدهر للمنطقة، يتجاوز التوترات الحالية ويؤسس لعلاقات تعاون قائمة على الاحترام والتفاهم المتبادل.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال