لا يختلف إثنان غلى أن الهواتف الذكية اصبحت تلعب دورًا رئيسيًا في حياتنا. لقد أصبحت آهم وسيلة للتواصل الاجتماعي والترفيه والمعرفة. حيث انتشرت بشكل ملحوظ بين الأطفال وخاصة المراهقين، وزادت الفترة الزمنية التي يقضونها مع هذه الأجهزة، مما دفع العديد من الباحثين وأولياء الأمور إلى التحديرمن خطورة الآثار السلبية التي يمكن أن تنتج عن هذا الاستخدام و الدعوة إلى تقنينه.
دراسات ميدانية لتشخيص آثار الأستعمالات المتعددة للأجهزة الذكية
خلصت العديد من الدراسات إلى أن هناك علاقة مباشرة بين استخدام الأطفال للهواتف الذكية وقلق أولياء أمورهم، حيث بينت أن ما بين 80% و90% من الآباء يشعرون بالقلق الشديد من استخدام أطفالهم للأجهزة الذكية على اختلافها من هواتف ,لوحات..، إما بالنسبة للاستخدام المفرط، أونوعية المحتوى المستهلك وحتى التكلفة المترتبة عن هذا الاستخدام.
وتكشف دراسة أجرتها مؤسسة دوكمو اليابانية المتخصصة بهذا النوع من الدراسات أن آخر مسح أجرته عام 2021 على أطفال يتراوح سنهم بين 5 و17 سنة، وأولياء أمورهم في عدة دول (اليابان ومصر والهند وتشيلي وباراغواي)
أظهر أن 70% من الأطفال الذين شملتهم الدراسة يمتلكون هواتف نقالة مستقلة عن ذويهم.
وأظهرت أيضا أن لا علاقة لدخل الأسر ومستواها الاجتماعي بامتلاك الأطفال الهواتف الذكية، وأن أكثر ما يستخدمه الأطفال بالهواتف هو الكاميرات بنسبة 63%، ومشغل الموسيقى 53%، ومشغلات أفلام الفيديو 45%، وأن الأطفال يستخدمون تطبيقات ووظائف هذه الهواتف بنسبة أعلى بكثير من آبائهم.
وعن علاقة الإنترنت بهذه الهواتف، بينت الدراسة أن 60% من الأطفال يستخدمونه من خلال هواتفهم مرة واحدة يوميا على الأقل، والأكثر استخداما من قبل الأطفال هي شبكات التواصل الاجتماعي بنسبة 83%، وهي أعلى من نسبة استعمال آبائهم لهده الشبكات.
تجربة شخصية
الباحث المغربي ورئيس تحرير مجلة لالة فاطمة عبدالكبير بعنان تحدث لقناة cnn عن تجربته وعلاقة أطفاله بالهواتف الذكية، معبرا عن اعتقاده بأن التجربة مفيدة جدا للأطفال "فهي تجعلهم أكثر قربا من الحياة في عصر التقنية، وتضعهم في التفاصيل الأساسية المتعلقة باستخداماتها ومزاياها المعرفية".
ويضيف الباحث المغربي إن طفله البالغ من العمر 17 عاما يلجآ باستمرار لمحرك البحث غوغل عندما يتجادلان بالمعلومات الرياضية مثلا، ويستفيد منه في جوانب تتعلق بدراسته، ويستخدم إعلام التواصل الاجتماعي، كما أن المحتوى الرقمي المنشور على الإنترنت بالإنجليزية وهو الأكثر غنى وكثافة، توفره الهواتف الذكية بسرعة وسهولة وفي أي مكان، ما يجعل الأطفال تحت طبقة مركزة وواسعة من المعلومات والمعرفة، عوضا عن ألعاب الأطفال التي تنتمي لعالم ذكي وجدلي.
ويذهب لاعتبار أن ثقافة طفل عمره 17 عاما يستخدم هاتفا ذكيا الآن، تفوق ثقافة شاب عمره ثلاتين عاما ، منوها بأن الرقابة على الأطفال "يجب أن تتم ولكن بذكاء".
وأوضح عبد الكبير أن طفله لا يستخدم الهاتف في البيت إلا في عطلة نهاية الأسبوع. وضبطا للأمر ولنفقات حزم الإنترنت، فإن استخدامه لا يتعدى ساعتين إلى ثلاث ساعات يوميا، على حد قوله.
ومن ناحية أخرى، فإن غالبية الأشخاص يمنعون أبناءهم البالغين من العمر خمس وستة أعوام من استخدام هذا النوع من الهواتف، مشيرين إلى أن الأطفال الذين يستخدمون هذه الهواتف أصبحوا أكثر شبهاً بالمصابين بالتوحد.
نحن مستمرون في منح أطفالنا هاتفًا ذكيًا للعب به، وهذا بسبب تجربتنا مع الأطفال الآخرين، الذين يرتبطون بشدة بهذه الهواتف وتطبيقاتها.
علماً أن معظم الأطفال في سن السابعة يعرفون أكثر من البالغين عن هذه التطبيقات الهاتفية، إلا أنهم أبعدوا أنفسهم عن بيئتهم الاجتماعية وتفاعلاتهم مع أقرانهم.
فأغلبية الأمهات الذين نعرفهم يستخدمون هذه الهواتف لإشغال أطفالهم، بدلاً من بناء علاقات مع هؤلاء الأطفال، مع التأكيد على أن الأطفال في هذا العمر يحتاجون إلى التفاعل والتحدث مع بيئتهم الاجتماعية حتى يتمكنوا من التعبير. لغويا والنطق الصحيح.
آثار سلبية
ويقول خبراء تربويون في مجال الطفولة والمراهقة، إن الاستخدام المفرط للهواتف الذكية له آثار سلبية على أربعة جوانب من نمو الأطفال:
نموهم الجسدي والعقلي والعاطفي والاجتماعي.
وأن تنمية التفكير التخيلي عند الطفل في سن الخامسة أمر في غاية الأهمية لأنه يعتبر المرحلة الثانية بعد التفكير الحسي ومرحلة تسبق وصول الطفل إلى التفكير المجرد، كما أن الاستخدام المفرط لجميع الأجهزة الحديثة، والتي تزيد عن ساعة إلى ساعة ونصف يومياً، تضعف هذه القدرة على النمو في الجانب العقلي، حيث أن هذه الأجهزة تمده بالخيال وبالتالي تشكل الصور الذهنية تلقائياً مهما كانت رغبات الطفل.
كما نلاحظ أن الاستخدام المفرط لهذه الأجهزة يسبب خمولاً جسدياً واضحاً وضعفاً خطيراً في التركيز لدى الأطفال، وخاصة عند الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين 8 إلى 12 سنة، والسبب في ذلك هو المشاهدة السريعة لمقاطع الفيديو والصور الموجودة في الألعاب. وهذه الأجهزة التي تؤدي إلى تخزينها في العقل الواعي واللاواعي لدى الطفل، ويستمر عقله في استرجاعها حتى بعد توقفه عن اللعب، مما قد يشتته ويجعله ضعيفاً في التركيز.
الجانب الاجتماعي
أما فيما يتعلق بالجانب الاجتماعي، فتشير الدراسات إلى أن المهارات الاجتماعية تضعف وتنخفض بنسبة 75% تقريبًا عن المستوى الأولي الذي كان يجب أن تكون عليه في مرحلة الطفولة، بين سن الخامسة والعاشرة، ومن هنا ترتفع نسبة العدوان الاجتماعي بشكل ملحوظ. حيث يرى الطفل مثل هذه الملاحظات فيقلدها ويسقطها في حياته.
وفي المقابل هناك أطفال، على العكس من ذلك، يعانون من الخجل والانطواء، وذلك بسبب عدم تنمية المهارات الاجتماعية، كالكلام والتواصل الاجتماعي الجسدي، كالتحية باليد، والإيماءات الاجتماعية. التواصل كالابتسامة وغيرها.
من جهته تحدث البروفيسور عبد الكبير بوعنان لمجلة لالة فاطمة عن عدم القدرة على منع الأطفال من استعمال وحيازة هذه الهواتف في عالم اليوم، مؤكدا أن تنظيم استعمالها بين ساعة وساعتين يوميا على الأكثر يحسن فوائد استعمال هذه الهواتف. ويقلل من السلبيات. .
واعتبر عبد الكبير أن من أخطر الأمراض التي تصيب الأطفال نتيجة سوء استخدام هذه الهواتف هو مرض "التوحد الوظيفي" الذي ينتج عن تعلق الطفل بالعالم الافتراضي وعزله عن بيئته الاجتماعية، خاصة في حالة الوالدين العاملين. الذين غالبًا ما يتغيبون عن المنزل، مما يترك الطفل منهكًا بالأجهزة التقنية الحديثة.
ويحذر من منع هذه الأجهزة ومن الإفراط في استخدامها، خاصة أنها تترك آثارا سلبية على شكل أمراض عضوية مثل السمنة الناتجة عن قلة الحركة وأمراض الأطراف.
التسميات
الأعمال والتكنولوجيا